قال ابن تيمية رحمه الله: "المقام الثاني: أن يقال: العرش -سواءٌ كان هو الفلك التاسع أو جسماً محيطاً بالفلك التاسع، أو كان فوقه من جهة وجه الأرض، غير محيط به، أو قيل فيه غير ذلك- فيجب أن يعلم أن العالم العلوي والسفلي بالنسبة إلى الخالق تعالى في غاية الصغر، كما قال تعالى: ((وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ))[الزمر:67] وفي الصحيحين عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: {يقبض الله تبارك وتعالى الأرض يوم القيامة، ويطوي السماء بيمينه، ثم يقول: أنا الملك، أين ملوك الأرض؟}.
وفي الصحيحين -واللفظ لـمسلم - عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {يطوي الله السماوات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى، ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله، ثم يقول: أنا الملك؛ أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟} وفي لفظ في الصحيح عن عبد الله بن مقسم أنه نظر إلى عبد الله بن عمر كيف يحكي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يأخذ الله سماواته وأرضه بيده، ويقول: أنا الملك، ويقبض أصابعه ويبسطها، أنا الملك، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني أقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟!}.
وفي لفظ: قال: {رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، وهو يقول: يأخذ الجبار سماواته وأرضه، وقبض بيده، وجعل يقبضها ويبسطها، ويقول: أنا الرحمن؛ أنا الملك؛ أنا القدوس؛ أنا السلام؛ أنا المهيمن؛ أنا المهمين؛ أنا العزيز؛ أنا الجبار؛ أنا المتكبر؛ أنا الذي بدأت الدنيا ولم تكن شيئاً؛ أنا الذي أعدتها؛ أين المتكبرون؟ أين الجبارون؟ -وفي لفظ: أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟- ويميل رسول الله صلى الله عليه وسلم على يمينه وعلى شماله، حتى نظرت إلى المنبر يتحرك من أسفل شيء منه، حتى إني لأقول: أساقط هو برسول الله صلى الله عليه وسلم؟! }.
والحديث مروي في الصحيح والمسانيد وغيرها بألفاظ يصدق بعضها بعضاً؛ وفي بعض ألفاظه قال: {قرأ على المنبر: (( وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ))[الزمر:67] الآية.. قال: مطوية في كفه يرمي بها كما يرمي الغلام بالكرة}، وفي لفظ: {يأخذ الجبار سماواته وأرضه بيده، فيجعلها في كفه، ثم يقول بهما هكذا كما تقول الصبيان بالكرة.. أنا الله الواحد!} وقال ابن عباس : [[يقبض الله عليهما فما ترى طرفاهما بيده]]، وفي لفظ عنه: [[ما السماوات السبع والأرضون السبع وما فيهن وما بينهن في يد الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم]]، وهذه الآثار معروفة في كتب الحديث".
فهذه بعض الآثار، والمقصود بها الاستدلال على أن العالم العلوي والسفلي؛ بما في ذلك العرش والكرسي -على عظم خلقهما- والسماوات والأرض؛ كل ذلك بالنسبة لله سبحانه وتعالى في غاية الصغر والضآلة، وهو كالخردلة أو كالحمصة في يد أحدنا، ولذلك فالله سبحانه وتعالى إذا وصف بالعلو على المخلوقات، فعلوه عليها حقيقي، فهو فوقها، وهو ملكها، وهو المتصرف فيها كما يشاء، وهي بالنسبة له في غاية الصغر والضآلة والحقارة، تعالى الله سبحانه وتعالى وتقدست صفاته.